ادعوكم في هذا الجزء الى التمتع بمنظر البحر وقرائه هذا المقال
الصويرة.. مدينة الرياح التي تعشق البحر
الصويرة.. مدينة الرياح التي تعشق البحر
هامَ بها جيمي هندريكس.. وصور فيها أورسن ويلز
تشتهر الصويرة بمهرجان كناوة وموسيقى العالم الذي يستقبل أكثر من مليون زائر سنويا
المصدر : («الشرق الأوسط»)
يقول الشعراء إن المدن رائحة، وأجمل المدن هي تلك التي تكون طليقة الأنفاس ومفتوحة أمام زوارها. وربما تنطبق مثل هذه الأوصاف، بامتياز، على الصويرة، المدينة المغربية الوديعة، التي تنام على المحيط الأطلسي في هدوء المدن الفريدة.
ومع ربط الحاضر بالماضي، تُعرف الصويرة، كذلك، باسم «موغادور». وهي توصف بأنها مدينة الرياح، ويشاع أنها لا تحب الغرباء، وأنها تعبر عن غضبها بالرياح، ولأنها لا تكاد تخلو من سياح الداخل والخارج، فإن رياحها لا تهدأ. ويقول بعض المهتمين بالمدينة وتاريخها إن للصويرة نكهة برتغالية، حين تدير ظهرها إلى البحر، ونكهة إسلامية ويهودية وإفريقية، حين تنكفئ على ذاتها داخل أسوارها السميكة، لنكون، بالتالي، مع ثنائية المنفتح ـ المنغلق، كثنائية جدلية انكتب بها تاريخ المدينة. وتنقل كتب التاريخ أن تاريخ الصويرة عرف العديد من التحولات، التي انطلقت آثارها مع الفينيقيين ثم الرومان، وصولاً إلى البرتغاليين، الذين يعود إليهم أصل تسمية «موغادور»، غير أن التحول الأبرز والأهم، الذي عرفته المدينة، كان على عهد السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله، الذي أراد، انطلاقاً من عام 1760، أن يعطي للمدينة شكل المدينة التجارية المنفتحة على العالم، عبر مينائها. ولذلك لا يخفي أهل الصويرة، المعروفون بحسن الضيافة والاستقبال الصادق للزائرين، افتخارهم، بأن مدينتهم الجميلة رسمها وتخيلها ملك علوي، قبل نحو ثلاثة قرون.
ويذكُر المؤرخون أن السلطان العلوي، الذي كان شديد الحرص على تحصين الثغور والمدن الساحلية، كان كلف المهندس الفرنسي، تيودور كورني، المتخصص في بناء الحصون العسكرية والقلاع، بوضع التصميم العام للمدينة.
واهتمت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، أخيراً، بهذه المدينة وأولتها عناية كبرى، خاصة في ما يتعلق بترميم جدرانها وبناياتها التاريخية. ونقرأ في لوحة عُـلقتْ في وسط المدينة : «بناءً على الاتفاقية المتعلقة بحماية التراث الثقافي العالمي تم تسجيل المدينة التاريخية للصويرة ضمن لائحة التراث العالمي. إن هذا التصنيف يرسخ القيمة العالمية الاستثنائية لهذا الإرث الثقافي، وذلك حفاظاً عليه لفائدة الإنسانية جمعاء. الصويرة نموذج استثنائي لمدينة مُحصَّنة من القرن الثامن عشر بنيت بشمال إفريقيا وفق مقاييس الهندسة العسكرية الأوروبية المعروفة في تلك الفترة، ومنذ إنشائها، ظلت المدينة ميناءً تجارياً دولياً متميزاً يربط المغرب والمناطق الصحراوية المجاورة بأوروبا وباقي بقاع العالم».
وإذا كانت الصويرة عُرفت في الماضي عبر ما يؤرخ لها ولمراحل تشكلها، فإنها في الحاضر صارت تـُعرف بمهرجاناتها العديدة، وخصوصاً «مهرجان كَناوة وموسيقى العالم»، الذي يستقطب، منذ عشر دورات، أكثر من نصف مليون زائر، سنوياً. وتوصف موسيقى «كناوة» بأنها ليست مجرد موسيقى عادية، من جهة أنها، برأي العارفين، ذات إيقاعات قوية، مُحملة بثقل الأساطير والمعتقدات الموغلة في القدم، وبكونها مشحونة بالإرث الحضاري الإفريقي والأمازيغي والعربي، تناجي الأرواح الخفية وتغازلها، وتتوسل بالإيقاعات والألوان وإحراق البخور، وكل الوسائط الخفية الأخرى، كما تتوسل بآلات خاصة، مثل «الكَنبري» أو «السنتير (آلة وترية من ثلاثة حبال)»، و«الكنكة (الطبل)»، ثم «القراقش (صنوج حديدية)».
وكانت علاقة الصويرة بموسيقى «كناوة»، التي تعود إلى أصول إفريقية، قد انطلقت منذ القرن 17، مع تحول المدينة إلى مركز تجاري مهم ونقطة تبادل تجاري مع «تمبكوتو» في مالي.
وبين أحداث الماضي وأيام الحاضر تترك الصويرة لطيور النورس البيضاء مهمة الترحيب بزوارها، الذين صاروا يزدادون سنة بعد أخرى، وخصوصاً بعد أن صارت مهرجانات المدينة موعداً سنوياً يتطلع إليه عشاق الموسيقى، مغاربة وأجانب.
ويرى أندري أزولاي، الرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موغادور، أن «الصويرة هي، اليوم، عنوانٌ للمغرب المنفتح الذي يتقدم من دون عُـقد. المغرب المتجذر في هويته وقيمه، مع وفاء كبير للذاكرة، من دون خوف أو تخوف من الذهاب نحو الآخر والانفتاح على كل أنواع الموسيقى والثقافات والديانات والأعراق». ويضيف أزولاي، في حديث لـ «الشرق الأوسط»، قائلاً إن «الصويرة كانت، وإلى حدود بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، مجرد مدينة في طريقها نحو الفناء والضياع، ولكنها، انطلاقاً من عقد التسعينيات، وخصوصاً مع دورات «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، استطاعت أن تنفتح على مستقبل واعد».
ومثلما سحرت الشباب المغربي، فإن الصويرة استطاعت أن تسحر الأوروبيين، شبابا وكهولا، كما أن السياح، الذين يزورونها خلال أيام المهرجان، والذين يقصدونها من مختلف الجغرافيات، يستمتعون بارتداء اللحاف الصحراوي وسائر الأزياء التقليدية المغربية، مع الحرص على مرافقة كل ذلك بطاقيات «بوب مارلي» الشهيرة، وحتى نساء المدينة، اللواتي يرتدين «الحايك»، الذي تشتهر به الصويرة، يغادرن المنازل ويجلسن جنب ساحة مولاي الحسن للاستمتاع بنغمات موسيقى «كناوة»، التي تذكر بالجذور الإفريقية لبلد يوجد على مرمى حجر من أوروبا.
ويبدو أن هذا الازدهار الاقتصادي والسياحي، الذي صارت الصويرة تعيش على إيقاعه، لا يمكن فهمه، برأي البعض، دون الأخذ بعين الاعتبار لطبيعة التعايش الثقافي والتاريخي بين مكوناتها الإثنية الثلاثة، أي العرب والأمازيغ واليهود، فضلاً عن أن السنوات الأخيرة شهدت توافد واستقرار عدد كبير من الأجانب بالمدينة، عملوا على اقتناء وترميم دورها القديمة، كما انخرطوا في ديناميتها التجارية والخدماتية، من خلال إنشائهم لدور ضيافة ومطاعم ومتاجر.
ويوجد بالصويرة العديد من الساحات والأسوار والآثار التاريخية الساحرة. وتعتبر «سقالة القصبة»، التي يوجد بها عدد من المدافع المصفوفة إلى بعضها البعض، من أبرز هذه المعالم، وكذلك الشأن بالنسبة لأبواب المدينة وأسوارها، سواء الخارجية منها، أو الداخلية التي تعرض الوجه التاريخي للمدينة، عبر المدينة العتيقة والقصبة والملاح (حي اليهود).
ونظرا لوجودها على شاطئ الأطلسي، فقد اتسعت جاذبية المدينة، منذ سنوات عديدة، لتشمل هواة ركوب الأمواج ومسابقات الألواح الشراعية والغطس. وظلت الصويرة توفر للمغرمين بها هدوءا فريداً في نوعه، كان، بالتأكيد، وراء موجات «الهيبيين»، التي قصدتها، قبل سنوات. كما يُحسب للمدينة قدرتها على اختيار زوارها المغرمين بالفن وسحر وجمال الأمكنة. وهكذا، وبحكم موقعها الطبيعي وهدوئها المتميز، ظلت المدينة، على امتداد السنوات، قبلة لفنانين ذوي شهرة عالمية، أمثال «جيمي هندريكس»، الذي يقال إن أغنيته «قصور في الرمال» ولدت في الصويرة، و«كات ستيفنس»، الذي اعتنق الإسلام في وقت لاحق، فضلاً عن سينمائيين لامعين، أمثال «أورسن ويلز»، الذي صور فيها فيلمه الشهير «عطيل».
ويذهب الكثيرون إلى القول إن المدينة استهوت «الهيبيين» ومشاهير العالم لأنهم في العمق فنانون يحبون الجمال والإبداع الإنساني، ولأنهم كانوا ينشدون الحرية، ويرون أن الصويرة ليست مدينة سهلة، أو مدينة سياحية، فقط، بل مدينة منغرسة في تربتها، تعتز بتاريخها، أما مستقبلها، فمثل ماضيها، يوجد خلف أسوارها.
وتعج الصويرة بالتشكيليين والكتاب والموسيقيين. وبفضل فنانيها، أصبحت المدينة أحد المراكز المهمة في الحركة التشكيلية المغربية المعاصرة، الشيء الذي جعلها تزخر بالقاعات، التي تعرض لوحات كبار الفنانين، معظمهم من أبناء المدينة، الذين اشتهروا بفطرتهم.
وشهدت المدينة تطور صناعة تقليدية متنوعة، تعكس التمازج الثقافي بين مكوناتها العربية والأمازيغية واليهودية. واشتهر حرفيوها، على الخصوص، بالنقش على خشب العرعر، فضلاً عن صنع تحف جميلة من الحلي والمجوهرات، تحظى في مجملها باهتمام خاص من قبل الزوار.
وتشتهر منطقة الصويرة بوجود أشجار «الأركان»، التي لا توجد إلا في المغرب، من بين كل دول العالم، ويتميز زيتها بفوائده الغذائية والعلاجية والتجميلية الفريدة في نوعها.
وحيث إن الصويرة مدينة بَحرية فهي تشتهر، أيضاً، بأنها مدينة السمك، خصوصا السمك المشوي على الفحم.
والجميل في الصويرة أن مطاعمها تقترب بك من شاطئها ومينائها، ما دامت تمنح الجالس متعة الأكل والمشاهدة، كما تمنحه فرصة تذوق أسماك مشوية غادرت هواءها البحري وعالمها الأزرق للتو.
ويشعر مرتادو المطاعم الشعبية في الصويرة، وهم جالسون يتناولون ما يقترح عليهم من خيرات البحر وفواكهه، كما لو أنهم بصدد قضاء نزهة مريحة، يستمتعون فيها بالهواء الطلق والشمس الدافئة وزرقة البحر والسماء. ومن جهتهم، يعرف أصحاب هذه المطاعم أن سمعة وجودة ما يعرضونه يعتمد على وجوب أن يذهب الزبون منشرحاً ومرتاحاً إلى جودة الأكل والسمك ومستوى الخدمة المقدمة، وبذلك يضْمنون لمطاعمهم وللمدينة وفاء الزبائن والزوار وسمعة وصيتا بين الناس في المدن البعيدة والقريبة.
وعلى طول شوارعها وأزقتها، تعرف الصويرة بتجارة هادئة تراعي يوميات المدينة، تشمل حاجيات البيت ومستلزماته اليومية، كما تشمل متطلبات السياحة من دكاكين تعرض الجميل من الزرابي والملبوسات التقليدية وسائر أشكال وأنواع الحلي ومنحوتات خشب العرعر.
وتعرف الصويرة ببيوتها البيضاء ذات النوافذ الزرقاء، التي تتآلف مع بياض الموج وزرقة البحر وهي تنتقل بألوانها إلى اليابسة.
وعند التجول عبر شوارع وأزقة المدينة سيثيرك منظر نساء المدينة يتجهن إلى منازلهن أو خارجات لقضاء بعض الأغراض وهن يلبسن «الحايك» (رداء خارجي من الصوف الأبيض يغطي الجسد وجزءا من الرأس)، وهو رداء لم يستطع جنون الموضة ولا «بدعة» سراويل الجينز أن تجعل كثيراً من نساء الصويرة يتخلين عنه.
وعند زيارة الصويرة والرغبة في الإقامة فيها لعدة أيام، تغييرا للجو وهروبا من ضجيج المدن الكبرى بمصانعها وإداراتها، أو ابتعادا مؤقتا عن سحر أغادير ومراكش، يُنصح باختيار إحدى دور الضيافة الموجودة بالمدينة القديمة، وهي دورٌ مصممة على الطريقة المعمارية العربية الأصيلة، الفريدة بهندستها، من خلال بهو تحيط به الغرف، ذات الديكور والأثاث المغربي، من كل الجوانب. أما الفنادق فتقتربُ بنزلائها من زرقة البحر، ولعل أشهرها فندق «الجُزر»، الذي ما زال يتذكر أياماً نزل بغرفه مشاهير ورجال فن وسينما، أمثال أورسن ويلز.
أما أهل الصويرة الطيبون والمسالمون، فقد اعتادوا المجيء كل مساء إلى الشاطئ ليتأملوا البحر، ولكي يتابعوا منظر غروب الشمس، فيما أبصارهم تحدق في ظلمات المحيط، كما لو أنهم يستعيدون حكاية السلطان العلوي الذي رسم مدينتهم متجهة نحو البحر والغرب، لكن بأسوار وأبواب متجذرة في يابسة المغرب وتربة أفريقيا.منقول
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق