وحظي الشاي منذ بداية القرن العشرين باهتمام كبير في أوساط المجتمع المغربي وصارت له عند العائلات المغربية طقوس وعادات. وأيضا ظهرت في أوساط الصنّاع حرفة جديدة أبدع

أصحابها في صنع أدوات تحضير الشاي، وأشهرها: «الصينية»، و«البراد»، و«الإبريق»، و«البابور»، و«الربايع». ومع ارتباط الشاي بالحياة اليومية للمغاربة.. فرضت جلساته حضورها الدائم عند مختلف طبقاتهم، وتغنى بهذه الجلسات الشعراء والزجّالون والمغنون.
أما في المدن الصحراوية في جنوب المغرب فإن الشاي - بلا منازع - «رمز الضيافة» وعنوان

إكرام الضيف وحسن استقباله. وبمر السنين غدت طرق إعداد الشاي في هذه البيئة وجها من أوجه استقبال الصحراوي لضيفه. والواقع، أن للشاي في الأقاليم الصحراوية طقوسا خاصة، وأوقاتا معينة يجري إعداده فيها. وعلى الرغم من أن شرب الشاي ليس غاية في حد ذاته، فإن من المستحيلات عند الصحراويين عقد مجلس أو إحياء جلسة سمر من دون إعداد الشاي - أو « الأتاي».. وحول صينية الشاي يجري تداول الأخبار وتناقش أمور الحياة عامة.
لقد حافظ الصحراويُّون على الأدبيات القديمة لإعداد الشاي.. وطقوسه، ومن أبرز هذه العادات ما يصطلح عليه الصحراويون بـ«جيمات الأتاي الثلاثة». «الجيم» الأولى تشير إلى «الجماعة»، إذ من الأفضل أن يصار إلى شرب الشاي مع الجماعة وكلما كثر العدد كان ذلك أفضل. و«الجيم الثانية» تعني «الجر»، وهي كناية عن استحسان إطالة المدة الزمنية لتحضير الشاي، وهذا

شرط يتيح للجماعة فرصة تناول أمورها برويّة وتأن. وأما «الجيم» الثالثة والأخيرة فتتعلق بـ«الجمر»... إذ من الأفضل إعداد الشاي على الفحم. وبما أن الشاي يعتبر من أساسيات الضيافة التي يجب أن تقدم للضيف، فقد حرص الرجل الصحراوي على ألا يخلو بيته من هذه المادة ذات الأهمية البالغة، التي يسعى إلى جلبها من بلدان بعيدة. ثم إنه كان يضطر أحيانا إلى شراء الشاي بمبالغ باهظة جدا، وفي بعض الفترات كانت تجري مقايضة كيلوغرام واحد من الشاي، أو قالب واحد من السّكر... بناقة أو جمل أو بعدة رؤوس من الغنم. حسب التقاليد


الصحراوية يطلق على معدّ الشاي مسمّى «القَيَّام»، ويصار إلى اختياره من بين أفراد الجماعة وفق صفات معينة، من بينها بلاغة الحديث، وإتقان الشعر، ودماثة الخلق، وحسن الصورة، بجانب أن يكون أيضا من أصل طيب، وبالتالي، يعدّ إسناد مهمة إعداد الشاي إلى فرد بعينه من أفراد الجماعة من باب التشريف.. لا التكليف.
والأمر الأكيد هنا أن الشاي في الصحراء لا يعتبر مشروبا تقليديا فحسب، بل سمة من سمات الكرم الصحراوي، وعلامة من علامات الحفاوة وحسن الاستقبال، مع الإشارة إلى أن الصحراويين يلحّون على ضيوفهم لشرب الشاي أكثر من تناول الأكل. ويقول الصحراويون عن «القيّام» المتمكّن المعروف بجودة إعداده كؤوس الشاي.. بأن فلانا «تَيَّايْ»، على وزن فعَّال، أي أنه ماهر بإعداد الشاي.


غير أن الصحراويين، مع ذلك، يجدون متعة خاصة في مشاهدة «القيّام» وهو يعد لهم الكؤوس، لكي يتسنى لهم إبداء ملاحظاتهم وتعليقاتهم على الأخطاء التي قد يرتكبها.. ومن بينها ألا يحسن التعامل مع أدوات إعداد الشاي، أو تقديمه الكؤوس قبل أن يصبح الشاي جاهزا للتقديم، أو أن يكثر القيام والجلوس ويبالغ في الحركة والكلام.
من ناحية ثانية، من فوائد الشاي الصحية المساعدة على عملية الهضم، ولذا يحرص الصحراويون على شربه بعد وجبات اللحم الدسمة. ويصف الصحراويون الشاي العالي الجودة بالقول: «هذا اتاي يكْلعْ أَدْوَاخْ»، أي إن هذا الشاي مزيل لآلام الرأس، وخاصة كؤوس الشاي التي يجري إعدادها عصرا، والتي يطلق عليها الصحراويون اسم «أدحميس».. ويستحيل أن يهمل الصحراوي احتساء «أتاي الدحميس» إلا في ظروف قاهرة.
هذا، وعندما يكون الصحراويون قد انتهوا للتو من جلسة شاي طويلة جدا، ويدخل فجأة بعض الضيوف المتأخرين، فإنهم يبادرون إلى القول: «نْعَلُّو أتَايْ».. بمعنى هل نعيد إعداد الشاي؟ إكراما للضيف وتوقعا لرغبته في شرب الشاي