الحضارة الإسلامية في المغرب
موقع القصر الصغير
يقع القصر الصغير بساحل البحر الأبيض المتوسط، على بعد 35 كلم من الطريق الرابطة بين طنجة وتطوان.
عرفت المناطق المجاورة للموقع استقرارا قديما يعود إلى الفترة الرومانية، إلا أن أهميته لم تظهر إلا خلال العهود الإسلامية، إذ يزخر الموقع ببقايا أثرية تتمثل في مسجد، وحمام، ومركز تجاري تعود إلى فترات تاريخية تمتد من القرن 12 الميلادي إلى غاية القرن 14 الميلادي، وهي تشهد على عظمة الدولة المرينية، وعلى دور القصر الصغير كقاعدة لجواز الجيوش المغربية في اتجاه الضفة الشمالية للمضيق ومركزا هاما للتبادل التجاري بين المغرب ومملكة غرناطة.
وفي يوم 23 أكتوبر 1558م استولى الجيش البرتغالي بقيادة ألفونس الخامس على القصر الصغير وسمح للمسلمين بمغادرة المدينة بممتلكاتهم. بينما استقرت حامية عسكرية بالمدينة تحت قيادة القائم دون إدوارد ذوننسيس. وهي تعتبر بذلك المدينة المغربية الثانية التي وقعت تحت الاحتلال البرتغالي بعد سبتة سنة 1415م وبعد المحاولة الفاشلة لاحتلال طنجة سنة 1437م. ولقد ظل البرتغال بالقصر الصغير زهاء 90 سنة ولم يتم إخلاؤها إلا سنة 1550م.
يرجع الفضل في الكشف عن خبايا هذا الموقع الأثرى إلى البعثة الأمريكية التي شرعت سنة 1972م في إجراء حفريات. وقد أسفرت هذه الأخيرة عن العثور على كنيسة مبنية على أنقاض مسجد ومنازل خاصة بنيت فوق أساسات إسلامية بالإضافة إلى مباني تجارية بأبواب متينة ونوافذ مزخرفة على الطراز المانويلي. وقد بينت هذه الحفريات كذلك عن اهتمام البرتغال بالساحات العمومية والشوارع المعبدة بالحجارة بالإضافة إلى مطاحن ومخازن وأفران ومعاصر. كما قاموا بسلسلة من التغييرات على شكل المدينة الإسلامية تمثلت في تدعيم الأسوار الدفاعية وفي إقامة الخنادق حول الحصن الذي بني في الجهة الشمالية الشرقية للمدينة مدعما بأبراج للدفاع والمراقبة، بالإضافة إلى إنجاز ممر مغطى يعرف بالكوراسا يمتد من الموقع إلى الشاطئ وتحويل الحمام الإسلامي إلى خزان للأسلحة ثم بعد ذلك إلى سجن.
موقع بليونش
تقع مدينة بليونش الأثرية على بعد 7 كلم غرب مدينة سبتة على السفوح الوعرة لجبل موسى. ويرتبط تاريخ هذه المدينة ارتباطا وثيقا بتاريخ سبتة الإسلامية حيث كانت تشكل، خلال القرن الثاني عشر الميلادي، منتزها لسكانها. ويسجل المؤرخون بإعجاب كبير غنى المدينة وناحيتها ووفرة مياهها وخيراتها إلى درجة أنها كانت تعتبر موردا وخزانا لسبتة مما دفع بالاسبان إلى محاولة استعمارها لكن المدينة تمكنت من الصمود والمحافظة على استقلالها.
يغلب على المدينة الطابع المدني، وتضم بقايا متعددة لمساكن وحمامات ومساجد تنتظم في شكل مجموعات عمرانية، وبنايات ذات طابع دفاعي كالأبراج المدعمة بشرفة ومرقب. وقد كشفت التنقيبات الأثرية التي همت الموقع ما بين سنة 1972م وسنة 1978م، عن بنية فريدة من نوعها في الغرب الإسلامي، ويتعلق الأمر بالمونيا المرينية وهي تجمعات سكنية مخصصة للنزهة والاستراحة كانت منتشرة بالأندلس خلال العصور الوسطى، وعن تقنيات متطورة في ميدان التهيئة الفلاحية والاستغلال المائي في الأراضي المجاورة وخاصة السفوح الشمالية الشرقية لجبل موسى.
وتعتبر آثار موقع بليونش من الشواهد القاطعة على مغربية مدينة سبتة السليبة، فالعلاقات التاريخية الوطيدة التي كانت تربط المدينتين لم تنقطع إلا بظهور الحماية الإسبانية، بل لازال الاسبان يستغلون إلى الآن مياه موقع بليونش.
مدينة البصرة
مدينة البصرة أو الحمراء تقع على طريق سوق أربعاء الغرب في اتجاه وزان، على بعد حوالي 40 كلم من الساحل الأطلنتي و حوالي 20 كلم جنوب مدينة القصر الكبير. لقد تم تأسيسها مثل مدينة أصيلا وذلك بين 180ه/796م ( فترة حكم الرشيد) و 197ه/803 م ( فترة حكم إدريس الثاني). لقد عرفت هذه المدينة تطورا كبيرا حيث انتقلت بسرعة كبيرة من مجرد قرية إلى مكان إقامة الأمراء الأدارسة. في سنة 958 و خلال رحلة لأحد قادة الخليفة المعتز جوهر، تم تأسيس دولة إدريسية صغيرة تابعة لحكم الفاطميين و عاصمتها مدينة البصرة و تمتد من الريف إلى منطقة غمارة.
في سنة 979، أبو الفتوح يوسف زيري قاد حملة عسكرية في اتجاه سبتة، وقام بتدمير أسوار مدينة البصرة و قد قام بصد حملته الزناتيين و الأندلسيين بسبتة.
ابن حوقل، و هو مؤرخ جغرافي ( القرن التاسع الميلادي )، يذكر أن مدينة البصرة هي ذات مساحة متوسطة و هي محاطة بأسوار و منتجاتها متنوعة: القطن خاصة و الذي يتم تصديره في اتجاه إفريقيا ( تونس، القسطنطينية ) و نجد كذلك القمح بوفرة، الشعير و منتجات أخرى. البصرة إذن مدينة مزدهرة لأنها مدينة تجارية.
خلال القرن الحادي عشر، تطورت المدينـة وأصبحت إحدى أكــبر التجمعات. و في القرن الثاني عشر فقدت المدينة من أهميتها. و ثلاثة قرون بعد ذلك، ليون الإفريقي يؤكد تدهور وخراب المدينة.
الحفريات الأثرية و التي انطلقت منذ سنة 1980 بهذا الموقع مكنت من التعرف على مختلف أجزاء المدينة و كذلك اكتشاف مصنع خاص بالمعادن وأدوات حجرية تبين الأهمية الأثرية لهذه المدينة.
بالنسبة لسور مدينة البصرة و الذي كان في القديم يتوفر على 10 أبواب، تم تدمير جزء كبير منه و محاولة تتبع أثره من خلال الأسس المتبقية، تبين أنه كان على طول 2,5 كلم و يحيط بمساحة 30 هكتار. حائط هذا السور و عرضه 2,20م هو مبني من الدبش ( الحجر) و مدعم بأبراج شبه دائرية. و قد أبانت الحفريات كذلك عن وجود صهريج مبني من الحجر و مغطى بسقف مدعم بأقواس و عرضه 4,25 مترا و طوله 6 م.
قصبة المهديـة
تقع المهدية على يسار ضفة نهر سبو، حوالي 30 كلم شمال شرق مدينة سلا. المدينة بنيت فوق منحدر صخري و لا زالت أطلال أسوارها بارزة لحد الآن على الساحل الأطلنتي و ذلك من أجل التحكم في هذه المنطقة الساحلية و حمايتها.
تاريخ هذه المدينة لا زال يلفه الغموض. بعض المؤرخين اعتبروا الموقع ثغرا قرطاجيا يرجع إلى القرن الخامس ق م، البعض الآخر يرجع تاريخ تأسيسها إلى بني يفرن، ما عدا هذا، فالمدينة أو منطقة المعمورة لم يرد ذكرها إلا في عهد الموحدين خلال القرن الثاني عشر الميلادي حيث قام عبد المومن ببناء 120 مركبا في هذه المنطقة. منذ هذه الفترة، انتقلت المدينة إلى مكان تبادل تجاري صغير حيث تتم الإتفاقات و المبادلات التجارية مع الأوروبيين.
هذا التطور لم يدم طويلا حيث تم تدمير المدينة خلال النزاع الذي نشب بين السعيد و أبو سعيد عثمان المريني.
في سنة 1515، نزلت القوات البرتغالية بالمنطقة من أجل بناء قصبة عند مصب نهر سبو و قد تمكن محمد البرتغالي السعدي من محاصرة المدينة و طرد البرتغاليين.
في سنة 1614، تمكن الإسبان من استعمار المدينة مــدة 67 سنــة وأطلقوا عليها اسم " سان ميكيل د أولترامار". وبعد عدة محاولات تمكن السلطان العلوي المولى إسماعيل من الدخول إلى المدينة و هكذا و منذ ذلك التاريخ ستعرف هذه القصبة بالمهدية و كان يحكمها القائد علي الريفي الذي بنى بابا كبيرا و مسجدا و قصرا و حماما و سجنا و عدة بنايات.
حاليا هناك مجموعة من البنايات لا زالت بارزة داخل القصبة و التي تجسد أهمية الموقع، نذكر بالخصوص السور ثم بوابتين، ويعتبر الباب الواقع ناحية الشرق الأهم على المستوى الهندسي، حيث تم بناؤه بالحجر بطريقة متناسقة و يذكرنا بأبواب مدينة سلا وأبواب مدينة الرباط الكبيرة مثلا " العلو" و باب زعير و التي ترجع إلى الفترة الموحدية.
بالإضافة إلى هذه البنايات، تضم القصبة بعض البنايات الأخرى ذات الطابع الهندسي المتميز و نذكر منها منزل القائد الريفي و الذي بني خلال القرن السابع عشر الميلادي و حمام خاص ذو نمط إسباني – موريسكي، و مخازن مياه تم سجنا و مسجدا و كذلك مجموعة من الفنادق و المحلات.
• موقع أغمات
تقع هذه المدينة الأثرية بجمعة أغمات على بعد 30 كلم من مراكش، على الطريق المؤدية إلى أوريكة. ويتم الوصول إليها عبر طريق غير معبدة طولها كيلومترين.
تعتبر مدينة أغمات الأثرية من أهم حواضر المغرب الإسلامي خلال العصر الوسيط الأعلى، إذ يصفها الجغرافيون العرب كقاعدة ادريسية مزدهرة. وخلال القرن الحادي عشر، وصفها الجغرافي أبو عبيد الله البكري بقوله : "ومدينة أغمات، مدينتان سهليتان إحداهما تسمى أغمات أيلان والأخرى أغمات وريكة... وبها مسكن رئيسهم، وبها ينزل التجار والغرباء، وأغمات أيلان... بلد واسع تسكنه قبائل مصمودة في قصور وديار... وبها أسواق جامعة..."
ونظرا لهذه المكانة المتميزة كعاصمة لإمارة مغراوة وزعيمها لقوت بن يوسف، استقر بها المرابطون أثناء زحفهم نحو المناطق الشمالية ولم يبرحوها إلا بعد اتخاذ قرار تشييد مدينة مراكش سنة 1062م. وعلى عهد يوسف بن تاشفين اتخذت أغمات مقرا لإقامة ونفي ملوك الطوائف بعد توحيد بلاد الأندلس، خاصة المعتمد بن عباد، ملك اشبيلية، وعبد الله بن زيري، ملك غرناطة.
تعرضت أغلب مكونات مدينة أغمات الأثرية إلى التدمير والاندثار، ولم يبق منها إلا جزء من السور والحمام الكبير وبعض المساكن والقنوات المائية. ففي الجهة الجنوبية الغربية للموقع ترتفع بقايا سور مبني بالحجارة والطابية تمتد على حوالي مائة متر، ويتراوح سمكها ما بين 1.90م و2.80م. ونظرا لأهمية الموقع، أجري مسح جيوفيزيائي أبان عن طبقات أثرية هامة تبرز جلها الإمكانيات الهائلة التي يختزنها الموقع. إلا أن أهم ميزة لفضاء الموقع، تتمثل في تخطيطه الذي ارتبط في كل مكوناته بالساقية الكبرى أو ساقية تاسلطانت التي تقسم الموقع إلى شطرين، وكذا في وجود ثلاث صهاريج مربعة الشكل وخطارات تؤكد الازدهار العمراني للمدينة ومكانتها كعاصمة لإمارة مغراوة وحاضرة لحوز مراكش.
موقع تيـــــــــــــــنمل
تقع تينمل على بعد 100 كلم جنوب شرق مدينة مراكش، على الطريق المؤدية إلى تارودانت عبر ممر تيزي نتاست. وتنتشر أطلالها على الضفة اليسرى لواد نفيس وسط جبال الأطلس الكبير على علو يناهز 1230م. لا زال الموقع والمسجد و القرية الحالية يحملون الاسم القديم "تينمل" .
مع بداية القرن الثاني عشر الميلادي ظهرت في أعالي جبال الأطلس حركة دينية إصلاحية توحيدية تزعمها المهدي بن تومرت الذي نصب زعيما روحيا للموحدين سنة 1121م. وقد أمر بعد مرور أربع سنوات على حكمه ببناء مدينة تينمل وجعلها عاصمة له وقاعدة عسكرية لجيوشه. بعد وفاته، وتخليدا لذكراه، أمر خلفه عبد المومن بن علي الكومي في سنة 1153م ببناء مسجد تينمل، وتحول الموقع على إثر ذلك إلى مقبرة ملكية للخلفاء الموحدين. خلال العصر المريني تعرضت المدينة للهدم والتخريب من طرف الجنود المرينيين، ولم يستثن من ذلك إلا المسجد الذي أصبح يشكل معلمة مهمة يعتبرها السكان المحليون مزارا مقدسا، بالإضافة إلى بقايا سورها الأمني في الجهة الشرقية وأطلال متناثرة لقصبة "أورير نتيضاف" التي أفردت على قمة جبل.
بني المسجد بتصميم ذي شكل مستطيل على مساحة طولها 48,10مترا وعرضها 43,60 مترا وهو محاط بسور مرتفع تعلوه شرفات. تتكون قاعة الصلاة من تسع أروقة موجهة نحو القبلة، كما يشكل التقاء البلاط المحوري والرواق الموازي لجدار القبلة شكلا هندسيا على نحو الحرف اللاتيني T . أما القباب الثلاث فتتوزع بشكل منتظم على طول رواق القبلة، إلا أنه لم يتبق منها إلا واحدة في الزاوية الجنوبية الغربية. ترتكز أروقة المسجد على دعامات مبنية من الآجر بواسطة أقواس متنوعة الأشكال، تساهم في إعطاء جمالية خاصة لقاعة الصلاة، وتعلو المنبر والمحراب صومعة مستطيلة الشكل، وهو ما يعتبر استثناء في هندسة الجوامع بالمغرب. أما الصحن فيمتد شمال غرب قاعة الصلاة وهو محاط بأروقة. من حيث الزخرفية يشكل محراب تينمل إحدى روائع الفن الإسلامي بالمغرب.و صفوة القول أن مسجد تينمل يتميز بأحجام متوازنة و تناسق تركيبي تدريجي لمرافقه المركزة جميعها على عنصر المحراب ليس فقط على مستوى الزخرفة بل و حتى على مستوى الترابطات الهندسية و ترابطات الأحجام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق