هسبريس ـ حسن الأشرف
الجمعة 23 نونبر 2012 - 10:00
بحلول عاشوراء كل عام يتجدد النقاش ويعود السجال بخصوص أصول وتجليات هذه المناسبة الدينية داخل قطاعات عريضة من المجتمع المغربي الذي يكاد يعيش حالة نفسية استثنائية وغير اعتيادية تواكب عاشوراء التي تصادف العاشر من شهر محرم الحرام.
وتبرز مظاهر الفرح عند العديد من المغاربة بشكل "هستيري" أحيانا خاصة عند الأطفال الذين يستغلون المناسبة لاستعراض "مواهبهم" في التطبيل والغناء والصياح وطلب النقود من المارة تحت شعار "بابا عاشور"، علاوة على الاحتفال بالنار ليلة عاشوراء ورمي الماء "زمزم" صباح اليوم العاشر من محرم، فيما يتخذ البعض الآخر هذه المناسبة فرصة لاستحضار أجواء الحزن والفجيعة عبر ارتداء السواد أو عدم الاستحمام في الأيام العشر الأولى من مُحرم.
وما تزال تشكل عاشوراء فرصة سنوية بامتياز يطرح فيها مراقبون ومختصون جذور مظاهر التعبير الاحتفالي عند المغاربة فيها بين السرور والحزن، حيث يعتبر بعضهم بأن الممارسات التي تتم في عاشوراء تدل على أن المجتمع المغربي له أصول ثقافية ترتبط بالشيعة، وآخرون يرون أن بعض السلوكيات في عاشوراء هي من بقايا عادات اليهود، فيما يصر آخرون على أن عاشوراء مناسبة سُنية رغم تأثرها بروافد ومعتقدات خارجية.
معترك ثقافي
عصام احميدان، الباحث في الفكر الشيعي، يرى أن "ذكرى استشهاد الإمام الحسين سبط رسول الله وسيد الشهداء تستحق من المسلمين جميعا تذكرها واستخلاص العبر منها"، مشيرا إلى أن "المغاربة ليسوا بدعا من ذلك، فأقاموا لهذه المناسبة عادات وتقاليد ورثوها أبا عن جد، وخلدوا الحزن على حفيد رسول الله الذي قال إنه خرج طلبا للإصلاح في أمة جده رسول الله بعدما انحرف المسار السياسي للأمة".
ويشرح احميدان، في حديث مع هسبريس، بأنه في الوقت الذي نرصد فيه تلك المظاهر الولائية والحزينة على الحسين بن علي وفاطمة الزهراء، والتي دعمتها دول العلويين من الأدارسة إلى الفاطميين واستمرارا في باقي الدول بشكل متفاوت، كانت الدولة الأموية في الأندلس تبث عادات من الفرح لهذا اليوم، وهو ما استمر أيضا من خلال شراء الألعاب والفواكه الجافة..
وفي مقابل ذلك، يردف احميدان، هناك صور أخرى ترك فيها أهلها الطبخ والكنس، وقاموا بقذف المياه تذكيرا بمنع الماء عن الحسين وأهل بيته وأصحابه يوم عاشوراء بكربلاء، قبل أن يتم الإجهاز عليهم والتنكيل بهم وحمل رؤوسهم على الرماح إلى قصر يزيد بالشام.
ولفت المتحدث إلى أن الدكتور عباس الجراري قال في كتابه "عاشوراء عند المغاربة" بأنه "ارتبطت بهذا اليوم عدة تصرفات تكاد أن تكون متناقضة، بسبب مقتل الحسين الذي أثار الحزن في نفوس الشيعة، في وقت تلقاه خصومهم بالفرح والسرور".
ووافق الباحث ما ذهب إليه الجراري من كون عاشوراء المغربية كانت ولا تزال معتركا ثقافيا بين محبي آل بيت رسول الله وأعدائهم المناصبين لهم العداء منذ العصر الأموي، حيث وضع المعسكر الأموي الكثير من الروايات التي تظهر هذا اليوم كيوم من أيام السرور، بينما ركز المعسكر العلوي على تكثيف وصف المأساة وبيان مقام حفيد رسول الله.
والمحصلة، وفق احميدان، "أننا أمام طرق مختلفة من التعبير الاحتفالي بيوم عاشوراء، عكست إلى حد كبير المظهر المتنوع لهوية المغرب التاريخية، رغم أن الكثيرين يصرون على قراءة تاريخ المغرب بشكل اختزالي ونظرة انتقائية إقصائية"، بحسب تعبير الباحث.
عاشوراء في الميزان
ومن جهته اعتبر الدكتور محمد بولوز، الباحث في العلوم الشرعية والاجتماعية، بأن أول ما يُبحَث فيه في أي ظاهرة اجتماعية تهم المسلمين، خصوصا إذا كان لها ارتباط بجانب العقيدة والتدين، هو البحث في أصل الدين نفسه باعتباره مكونا أساسيا في البناء النفسي والثقافي والاجتماعي والتاريخي والحضاري للمسلمين، ثم بعد ذلك يُنظر في باقي المؤثرات الأخرى.
واستطرد بولوز، في حديث مع هسبريس، بأن ما يحدث في عاشوراء عند المغاربة من مظاهر سلوكية واجتماعية وعقائدية يُبحث لها أولا عن جذورها الإسلامية، حيث نجد جملة من الأصول من مثل ما ورد في صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: دخل النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ، وإذا أناسٌ من اليهود يعظمون عاشوراءَ ويصومونه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (نحن أحقُّ بصومه)، فأمر بصومِه.
وفي رواية أخرى للبخاري أيضا أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم. قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.
واسترسل بولوز بأنه يُفهم من الحديثين أن عاشوراء كانت معظمة قبل الإسلام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيامه، وذكر في العديد من الروايات أن اليهود كانوا يعظمون عاشوراء بسبب ما نجى الله به موسى من عدوه فرعون، فاعتبر المسلمون أنفسهم أولى بموسى وأولى بتعظيم يوم عاشوراء والاحتفال به من اليهود، غير أنه لما فرض شهر الصيام بقي عاشوراء على التطوع، وإمعانا في التميز عن اليهود، عزم النبي صلى الله عليه وسلم على صيام تاسوعاء أي اليوم التاسع من محرم.
ويُفهَم أيضا من الحديث الثاني أصل لعب الأطفال التي تنتشر بمناسبة عاشوراء، حيث قالت الربيع بنت معوذ بن العفراء راوية الحديث: "ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن (أي من الصوف)، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار".
وأوضح بولوز بأن "مظاهر التعظيم والاحتفال واللعب والصوم، التي نجدها في المجتمع المغربي وغيرها من المجتمعات وخصوصا منها السنية، تفند مزاعم بعض الشيعة بأن تلك المظاهر هي نكاية وفرح بقتل الحسين رضي الله عنه، فالأمر له أصوله وجذوره قبل فاجعة قتل الحسين رضي الله عنه"، لافتا إلى أنه "لا يُتصوَّر من مسلم عنده حد أدنى من الإيمان والتدين السليم أن يفرح بهذه المصيبة خصوصا أنها تتعلق بحفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه الحديث المتواتر "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".
وشدد الباحث على أن بعض مظاهر الحزن في عاشوراء في بعض الجهات من المغرب؛ من قبيل لبس السواد والامتناع عن الاستحمام ونحو ذلك؛ هو أمر حادث ومبتدع ومن الآثار الباقية للنفوذ الشيعي العبيدي والفاطمي وغيره في بعض الفترات التاريخية.
وخلص المتحدث إلى كون "الدين كمل بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يزاد فيه شيء إلا ما كان من اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده في إطار ثوابت الكتاب والسنة النبوية"، مشيرا إلى أن "الحزن المتجدد على مدى الأحقاب والأزمان يخالف السنة التي جعلت للحداد ثلاثة أيام وللزوجة أربعة أشهر وعشرا، ولم يشرع الحزن المتجدد على موت الأنبياء عليهم السلام حتى من قتل منهم ونُشر بالمناشير فكيف بغيرهم، فهذا غلو في الدين واضح وانحراف بين عن سنة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم"،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق